تخطى إلى المحتوى
Home » المقالات » ما هو الإنجيل؟

ما هو الإنجيل؟

ما هو الإنجيل الذي يؤمن به المسيحيون؟ هل لدينا الإنجيل المذكور في القرآن؟ هل كتبه البشر أم هو وحي من الله؟ هل تؤمن الطوائف المسيحية المتعددة بإنجيل واحد أم لكلٍّ منها كتاب؟ سنجيب في هذه المقالة المتعمقة عن كل هذه الأسئلة وأكثر.

جدول المحتويات

    ما معنى كلمة ”الإنجيل“؟

    الإنجيل هو كلمة يونانية تعني “الأخبار  السارة” أو “البشارة”، وهو النص المقدس في الديانة المسيحية. يُعتبر الإنجيل أحد أهم الكتب الدينية في العالم، حيث يحتوي على رسالة الحياة والتعاليم التي نقلها السيد المسيح إلى البشرية. يتميز الإنجيل بمكانته الروحية واللاهوتية الكبيرة، وهو مصدر الإلهام والقيم الأخلاقية للمسيحيين.

    مكونات الإنجيل

    يتكون الإنجيل من أربعة كتب رئيسية تُعرف بـ”الأناجيل الأربعة“، وهي:

    • إنجيل متى: يُركز على تقديم السيد المسيح كملك ومُتمم للنبوءات الواردة في العهد القديم.
    • إنجيل مرقس: يُصور المسيح كخادم الله الذي جاء ليخدم ويُضحي بنفسه.
    • إنجيل لوقا: يركز على الجانب الإنساني للمسيح ويروي الأحداث بشمولية وتفصيل.
    • إنجيل يوحنا: يُبرز الطبيعة الإلهية للمسيح ويُركز على علاقته بالله الآب.

    ما هو الإنجيل؟ د. ماهر صموئيل

    هل لدينا الإنجيل المذكور في القرآن؟

    قُلْ يَـٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَىْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا۟ ٱلتَّوْرَىٰةَ وَٱلْإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ۗ
    - سورة المائدة، الآية 68

    الآية أعلاه (سورة المائدة 68) بوضوح أن الكتاب المقدس الذي كان موجودًا في زمن محمد هو كلمة الله الحقيقية التي يجب اتباعها. وبالتالي، إذا كان الإنجيل قد تعرض للتحريف، فإن هذه الدعوة إلى “إقامة” الإنجيل تصبح غير مفهومة. بما أن المسيحيين مأمورون باتباع الإنجيل، فمن الآمن أن نفترض أن المسيحيين يمتلكون الإنجيل. إذا لم يكن المسيحيون يمتلكون الإنجيل، فلا يمكن اتباع هذه الوصية. وبما أنه من الحقائق التاريخية الثابتة أن الإنجيل اليوم هو نفسه الإنجيل الذي كان يمتلكه المسيحيون عند نزول القرآن، فإن الإنجيل المذكور في القرآن هو نفسه الإنجيل الذي يقرأه المسيحيون اليوم.

    هل كُتبت الأناجيل بواسطة البشر أم من قِبل الله؟

    إِنَّ الْكِتَابَ بِكُلِّ مَا فِيهِ، قَدْ أَوْحَى بِهِ اللهُ؛ وَهُوَ مُفِيدٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ وَالتَّقْوِيمِ وَتَهْذِيبِ الإِنْسَانِ فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَجْعَلَ إِنْسَانَ اللهِ مُؤَهَّلاً تَأَهُّلاً كَامِلاً، وَمُجَهَّزاً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ.
    - تيموثاوس الثانية 3:16

    الأناجيل الأربعة هي ثمرة عمل بشري كتبها متى ومرقس ولوقا ويوحنا، الذين كانوا شهودًا على حياة السيد المسيح أو مرتبطين بشهود عيان. ومع ذلك، يؤمن المسيحيون بأن هذه الكتابات لم تكن مجرد أعمال بشرية بحتة، بل إنها تمت تحت إلهام الروح القدس. بعبارة أخرى، فإن الأناجيل تمثل تعاونًا فريدًا بين الله والبشر، حيث عمل الروح القدس على إرشاد الكتبة ليوثقوا الأحداث والتعاليم بطريقة دقيقة تعكس مشيئة الله.

    هذا الإيمان يتجلى في الطريقة التي ينظر بها المسيحيون إلى الكتاب المقدس ككل، بما في ذلك الأناجيل، باعتباره “موحى به من الله” (2 تيموثاوس 3:16). لذلك، فإن الأناجيل تُعتبر كلام الله المعبر عنه من خلال أقلام بشرية، مما يمنحها مصداقية لاهوتية وإنسانية في آن واحد. هذا الجمع بين الإلهي والبشري في كتابة الأناجيل يعكس طبيعة السيد المسيح نفسه، الذي هو إله كامل وإنسان كامل.

    إِذْ لَمْ تَأْتِ نُبُوءَةٌ قَطُّ بِإِرَادَةٍ بَشَرِيَّةٍ، بَلْ تَكَلَّمَ بِالنُّبُوءاتِ جَمِيعاً رِجَالُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَدْفُوعِينَ بِوَحْيِ الرُّوحِ الْقُدُسِ. - بطرس الثانية 1:21

    هل يؤمن جميع المسيحيين بنفس الإنجيل؟

    يتفق جميع المسيحيين، بغض النظر عن الطائفة أو التقليد، على أن الأناجيل الأربعة – متى ومرقس ولوقا ويوحنا – هي الأساس الرسمي والمقدس للرسالة المسيحية. هذه الأناجيل هي النصوص الوحيدة المقبولة عالميًا التي تسجل حياة السيد المسيح وتعاليمه. يُنظر إلى الأناجيل الأربعة باعتبارها مستوحاة من الروح القدس، وهي جزء لا يتجزأ من العهد الجديد.

    رغم اختلاف التقاليد والطقوس بين الطوائف المسيحية الكبرى مثل الكاثوليكية، الأرثوذكسية، والبروتستانتية، إلا أن هذا الاتفاق حول الأناجيل الأربعة يُعتبر عاملاً موحدًا بينهم. لا توجد أي طائفة مسيحية معترف بها تُنكر أصالة أو أهمية هذه النصوص. هذا التوافق يُبرز الوحدة اللاهوتية بين المسيحيين، حيث يجتمع الجميع حول رسالة واحدة عن الخلاص والحب التي قدمها السيد المسيح.

    هل هناك نسخ مختلفة من الإنجيل؟

    الإجابة البسيطة هي لا، لا توجد نسخ مختلفة من الإنجيل. ولكن هناك العديد من الترجمات المختلفة للكتاب المقدس. يُسبب هذا أحيانًا سوء فهم بين غير المسيحيين، حيث يعتقد البعض – مثل العديد من المسلمين – أن وجود ترجمات متعددة يعني وجود نسخ مختلفة. ولكن في الحقيقة، المسيحيون يؤمنون بأن النصوص الأصلية للكتاب المقدس، المكتوبة باللغات اليونانية والعبرية والآرامية، هي كلمة الله الدقيقة، وأن الترجمات هي محاولات لتقديم هذه الكلمة بلغة مفهومة للجميع.

    هذا المفهوم يختلف عن الإسلام، حيث يُعتبر القرآن نصًا مقدسًا لا يمكن ترجمته بشكل كامل. المسلمون يؤمنون بأن النص العربي للقرآن هو النص الوحيد الصحيح، وأي ترجمة تُعتبر تفسيرًا لمعناه وليس النص المقدس ذاته. بالمقابل، المسيحيون يؤمنون أن رسالة الإنجيل يمكن فهمها وتطبيقها بأي لغة. لذلك، يتم ترجمة الكتاب المقدس إلى مئات اللغات، مما يجعل رسالته متاحة عالميًا. هذه الترجمات تُظهر عالمية رسالة المسيح، الذي جاء ليخلص جميع البشر بغض النظر عن لغتهم أو ثقافتهم.

    خاتمة

    الإنجيل ليس مجرد كتاب ديني، بل هو دعوة للسلام والمحبة والأمل. يعكس حياة السيد المسيح وتعاليمه التي تُلهم الملايين حول العالم للسعي نحو حياة أفضل وأقرب إلى الله. ولعل من أبرز ما يميزه أن القرآن الكريم نفسه يدعو المسلمين إلى قراءة الإنجيل والتأمل في تعاليمه. ففي الآيات التي تخاطب أهل الكتاب، يظهر تقدير واضح للإنجيل كمصدر إلهي يُرشد الناس إلى الحق. هذه الدعوة تُبرز قيمة الإنجيل كرسالة سماوية يمكن أن تُضيء طريق الباحثين عن الله.

    الوسوم: