تخطى إلى المحتوى
Home » المقالات » ما معنى أن يسمى يسوع (عيسى) “المسيح”؟

ما معنى أن يسمى يسوع (عيسى) “المسيح”؟

لقب “المسيح” هو أحد الألقاب الأكثر أهمية التي تُطلق على يسوع (عيسى)، وله دلالات عميقة في اللاهوت. هذا اللقب ليس مجرد اسم أو وصف، بل يحمل في طياته رموزًا ودلالات تربط بين النبوات القديمة وتحقيقها في حياة يسوع. لفهم معنى هذا اللقب، يجب التعمق في جذوره العبرية واستخداماته في العهد القديم، وكيف أصبح رمزًا للخلاص والدعوة الإلهية في العهد الجديد.

جدول المحتويات

    من أين أتت كلمة ”مسيح“؟

    يعود أصل لقب ”مسيح“ إلى الكلمة العبرية “مشيَّح” (משיח)، والتي تعني “الممسوح”، وقد تُرجمت إلى اليونانية بكلمة “كريستوس” (Χριστός). يُطلق هذا اللقب على الشخص الذي اختاره الله وخصَّصه لمهمة معينة من خلال مسحه بالزيت، وهي ممارسة كانت شائعة في العهد القديم. كان هذا الزيت يُستخدم كرمز للتقديس والتكريس، مما يعكس أهمية الدور الذي أُوكل للممسوح. لفهم هذا اللقب بشكل أعمق، ينبغي استكشاف استخداماته عبر العصور ودلالاته في كل من العهد القديم والجديد.

    شاهد “أهم نبوءة عن ميلاد المسيح” من الوعد

    المسيح في الكتابات العبرية

    في الكتابات العبرية، كان يُطلق لقب “المسيح” على الملوك والكهنة والأنبياء الذين مُسحوا بالزيت كعلامة على تكريسهم لعمل الله. على سبيل المثال، مسح صموئيل النبي شاول وداود كملوك لإسرائيل (1 صموئيل 10:1؛ 16:13). وكان يُنظر إلى هؤلاء الأشخاص على أنهم مختارون من الله للقيام بأدوار قيادية وخلاصية لشعبه.

    بالإضافة إلى ذلك، تحدثت النبوات في العهد القديم عن “مسيح” مستقبلي سيأتي ليحقق خطة الله الكاملة للخلاص. كان يُتوقع أن يكون هذا المسيح ملكًا قويًا من نسل داود، يقيم عدل الله وسلامه الأبدي (إشعياء 9:6-7؛ ميخا 5:2).

    نبوات أخرى تضيف تفاصيل هامة عن هذا المسيح المنتظر. في مزمور 22، يتحدث الكاتب عن آلام شديدة ومعاناة، تتطابق مع ما عاناه يسوع خلال صلبه، بما في ذلك الكلمات التي نطق بها على الصليب: “إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟” (مزمور 22:1). في إشعياء 53، يصف النبي عبدًا متألمًا يتحمل خطايا شعبه ويُضرب من أجل معاصيهم، وهي صورة واضحة عن آلام المسيح وموته الكفاري.

    أما في دانيال 9:24-27، فيتم التنبؤ بقدوم “المسيح” وإنهاء الخطية وجلب البر الأبدي. هذه النبوة تتحدث عن توقيت محدد لظهور المسيح ودوره في تحقيق المصالحة بين الله والإنسان. أيضًا، في زكريا 9:9، نجد نبوءة عن دخول المسيح إلى أورشليم راكبًا على جحش، وهي حادثة تحققت حرفيًا في حياة يسوع (متى 21:5-11). وكان يُنظر إلى هؤلاء الأشخاص على أنهم مختارون من الله للقيام بأدوار قيادية وخلاصية لشعبه.

    المسيح في الإنجيل

    عندما يُطلق لقب “المسيح” على يسوع في الإنجيل، يُفهم على أنه تحقيق لكل النبوات المتعلقة بالمسيح المنتظر. في إنجيل متى، يبدأ نسب يسوع ب“يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم” (متى 1:1)، مما يؤكد ارتباطه بالوعود التي أعطاها الله لإبراهيم وداود. من خلال هذا النسب، يتم توضيح كيف يُمثل يسوع الامتداد الطبيعي للعهد الإلهي مع شعب إسرائيل.

    كما أعلن الملاك لمريم أن ابنها سيكون “القدوس، ابن الله” وسيملك إلى الأبد (لوقا 1:31-33)، مشيرًا إلى أنه ليس فقط تحقيقًا لوعود العهد القديم، بل هو أيضًا المخلص الذي أعده الله لفداء العالم. وفي يوحنا 1:29، عندما يراه يوحنا المعمدان يقول: “هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم”، يتم التأكيد على دوره الكفاري الذي تمت الإشارة إليه في نبوءات مثل إشعياء 53. علاوة على ذلك، يُبرز إعلان الملاك والرؤى النبوية كيف أن يسوع ليس مجرد شخصية تاريخية، بل هو محور خطة الله الخلاصية للبشرية.

    قام عالم الرياضيات “بيتر ستونر” بحساب احتمال تحقيق شخص واحد لثمانية تنبؤات مسيانية من العهد القديم، وكان الاحتمال واحداً من مائة ألف تريليون. أما يسوع فحقق عشرات النبوات من العهد القديم.

    المسيح في الإسلام

    في الإسلام، يُشار إلى يسوع بلقب “المسيح” أيضًا، ويُعتبر من أعظم الأنبياء المرسلين من الله. يُذكر في القرآن الكريم أنه وُلد من مريم العذراء بمعجزة إلهية، وأنه أجرى العديد من المعجزات مثل شفاء المرضى وإحياء الموتى بإذن الله. هذا اللقب يُبرز مكانته الفريدة بين الأنبياء، حيث وُصف بأنه كلمة من الله وروح منه (النساء 171).

    للمسيحية والإسلام تفسيرات مختلفة لطبيعة المسيح ودوره. فالإشارة إلى يسوع على أنه ”المسيح“ في الإسلام هو أمر يأتي مباشرة من المسيحية. وبما أن هذا المصطلح له أصول خارج الإسلام، فإن معظم المسلمين لا يعرفون ما يعنيه هذا المصطلح أو ما ينطوي عليه. إن تسمية يسوع بـ ”المسيح“ تعني ضمنًا أنه هو الممسوح الذي كان ينتظره شعب الله كما ذكرنا من قبل.

    الخلاصة

    أن يُسمى يسوع “المسيح” يعني أنه الممسوح من الله، المخلص الموعود، الكاهن الأعظم، والملك الأبدي. هذا اللقب ليس مجرد اسم، بل إعلان عن دوره الفريد والمركزي في تحقيق خطة الله للخلاص. من خلال يسوع المسيح، يتحقق رجاء البشرية في السلام، الغفران، والعلاقة الدائمة مع الله.