إشعياء 53 هو إصحاح نبوي في الكتاب المقدس يصف ”العبد المتألم“، وهو شخصية تتحمل الرفض والمعاناة والموت للتكفير عن خطايا الآخرين. يُصوَّر الخادم على أنه محتقر ومبتلى، ومع ذلك فإن تضحيته تجلب الشفاء والسلام والتبرير للكثيرين. يسلط هذا المقطع الضوء على مواضيع التواضع والتضحية والقصد الإلهي، مع التأكيد على دور الخادم في تحقيق خطة الله الفدائية. يُفسر على نطاق واسع على أنه نبوءة عن يسوع المسيح وموته الفدائي.
1 مَنْ آمَنَ بِكَلامِنَا، وَلِمَنْ ظَهَرَتْ يَدُ الرَّبِّ؟
2 نَمَا كَبُرْعُمٍ أَمَامَهُ، وَكَجِذْرٍ فِي أَرْضٍ يَابِسَةٍ، لَا صُورَةَ لَهُ وَلا جَمَالَ يَسْتَرْعِيَانِ نَظَرَنَا، وَلا مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ.
3 مُحْتَقَرٌ وَمَنْبُوذٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ آلامٍ وَمُخْتَبِرُ الْحُزْنِ، مَخْذُولٌ كَمَنْ حَجَبَ النَّاسُ عَنْهُ وُجُوهَهُمْ فَلَمْ نَأْبَهْ لَهُ.
4 لَكِنَّهُ حَمَلَ أَحْزَانَنَا وَتَحَمَّلَ أَوْجَاعَنَا، وَنَحْنُ حَسِبْنَا أَنَّ الرَّبَّ قَدْ عَاقَبَهُ وَأَذَلَّهُ،
5 إِلّا أَنَّهُ كَانَ مَجْرُوحاً مِنْ أَجْلِ آثَامِنَا وَمَسْحُوقاً مِنْ أَجْلِ مَعَاصِينَا، حَلَّ بِهِ تَأْدِيبُ سَلامِنَا، وَبِجِرَاحِهِ بَرِئْنَا.
6 كُلُّنَا كَغَنَمٍ شَرَدْنَا مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى سَبِيلِهِ، فَأَثْقَلَ الرَّبُّ كَاهِلَهُ بِإِثْمِ جَمِيعِنَا.
7 ظُلِمَ وَأُذِلَّ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ، بَلْ كَشَاةٍ سِيقَ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ.
8 بِالضِّيقِ وَالْقَضَاءِ قُبِضَ عَلَيْهِ، وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ اسْتُؤْصِلَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ، وَضُرِبَ مِنْ أَجْلِ إِثْمِ شَعْبِي؟
9 جَعَلُوا قَبْرَهُ مَعَ الأَشْرَارِ، وَمَعَ ثَرِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرْتَكِبْ جَوْراً، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ.
10 وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ سُرَّ اللهُ أَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ. وَحِينَ يُقَدِّمُ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ فَإِنَّهُ يَرَى نَسْلَهُ وَتَطُولُ أَيَّامُهُ، وَتُفْلِحُ مَسَرَّةُ الرَّبِّ عَلَى يَدِهِ.
11 وَيَرَى ثِمَارَ تَعَبِ نَفْسِهِ وَيَشْبَعُ، وَعَبْدِي الْبَارُّ يُبَرِّرُ بِمَعْرِفَتِهِ كَثِيرِينَ وَيَحْمِلُ آثَامَهُمْ.
12 لِذَلِكَ أَهَبُهُ نَصِيباً بَيْنَ الْعُظَمَاءِ، فَيَقْسِمُ غَنِيمَةً مَعَ الأَعِزَّاءِ، لأَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ، وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ. وَهُوَ حَمَلَ خَطِيئَةَ كَثِيرِينَ، وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ.
هل يتحدث إشعياء 53 عن يسوع؟
يُفهم إشعياء 53 على نطاق واسع على أنه وصف نبوي لحياة يسوع المسيح ومعاناته وعمله الفدائي. يصور هذا المقطع ”العبد المتألم“ الذي يأخذ على عاتقه آلام الآخرين ورفضهم وخطاياهم – وهو دور يتماشى تمامًا مع روايات العهد الجديد عن رسالة يسوع وتضحيته.
يصف الإصحاح الخادم بأنه ”مُحْتَقَرٌ وَمَنْبُوذٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ آلامٍ وَمُخْتَبِرُ الْحُزْنِ“ (إشعياء 53: 3). وهذا يعكس الرفض الذي واجهه يسوع طوال خدمته، ولا سيما أثناء محاكمته وصلبه. إن آلام الخادم هي بديلة، حيث يقول إشعياء إنه ”مَجْرُوحاً مِنْ أَجْلِ آثَامِنَا“ و ”مَسْحُوقاً مِنْ أَجْلِ مَعَاصِينَا“ (إشعياء 53: 5). تتوافق هذه الكلمات مع الغرض من موت يسوع على الصليب، حيث تحمل عقاب خطايا البشرية ليصالح الناس مع الله.
يؤكد إشعياء أيضًا على براءة الخادم، مشيرًا إلى أنه ”لَمْ يَفْعَلْ عُدْوَانًا وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ“ (إشعياء 53: 9). وهذا يتماشى مع تصوير العهد الجديد ليسوع على أنه بلا خطية، ومع ذلك بذل حياته طواعيةً من أجل الآخرين. ويختتم الأصحاح بتبرئة الخادم في نهاية المطاف، معلنًا: ”يَرَى نَسْلَهُ وَيُطِيلُ أَيَّامَهُ“ (إشعياء ٥٣: ١٠)، وهو ما يفسره الكثيرون على أنه يشير إلى قيامة يسوع وعمله المستمر في إعادة الناس إلى علاقة مستعادة مع الله.
يقدم هذا الأصحاح صورة رائعة لآلام المسيح وانتصاره، ويكشف عن خطة الله للخلاص. بالنسبة لأولئك الذين يؤمنون بيسوع، فإن إشعياء 53 هو نص تأسيسي يسلط الضوء على عمق تضحيته ورجاء الفداء المقدم من خلاله.
ما أهمية عبارات مثل ”أَنَّهُ كَانَ مَجْرُوحاً مِنْ أَجْلِ آثَامِنَا وَمَسْحُوقاً مِنْ أَجْلِ مَعَاصِينَا“؟
هذه الآية (إشعياء 53: 5) مهمة بالنسبة للمسيحيين لأنها توضح فكرة الكفارة البديلة، حيث يأخذ الخادم عقاب خطايا الآخرين، وهو مفهوم مركزي لرسالة الإنجيل.
هل يذكر إشعياء 53 قيامة المسيح؟
نعم، يُعتبر إشعياء 53 إشارة نبوية إلى قيامة المسيح. في العدد العاشر، يقول النص: “وَحِينَ يُقَدِّمُ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ فَإِنَّهُ يَرَى نَسْلَهُ وَتَطُولُ أَيَّامُهُ، وَتُفْلِحُ مَسَرَّةُ الرَّبِّ عَلَى يَدِهِ.”. يُفهم هذا المقطع على أنه يشير إلى قيامة المسيح من بين الأموات.
عبارة “فَإِنَّهُ يَرَى نَسْلَهُ” تُفَسَّر على أنها تشير إلى المؤمنين الذين يتبعون المسيح، و”تَطُولُ أَيَّامُهُ” يُنظر إليها على أنها تعبير عن حياته الأبدية بعد قيامته. بالإضافة إلى ذلك، نجاح مشيئة الرب بيده يُشير إلى استمرارية عمله الخلاصي بعد موته وقيامته.
لذلك، أن هذا النص يتنبأ ليس فقط بآلام المسيح وموته كذبيحة عن الخطايا، بل أيضًا بانتقاله إلى حياة مجيدة تلي موته، وهو ما تحقق في قيامته.
الآية 1:
“مَنْ آمَنَ بِكَلامِنَا، وَلِمَنْ ظَهَرَتْ يَدُ الرَّبِّ؟”
- التفسير: تعبر هذه الآية عن دهشة النبي إزاء قلة الذين آمنوا برسالة المسيح التي نقلها الأنبياء. إنها دعوة للتفكر في مدى صعوبة قبول البشر للحقيقة الإلهية عندما لا تتماشى مع توقعاتهم. “يد الرب” ترمز إلى قوة الله وعمله الواضح، لكن تلك القوة لم تُفهم بشكل صحيح من قبل الكثيرين، لأنها تجلت في صورة تواضع المسيح ومعاناته.
الآية 2:
“نَمَا كَبُرْعُمٍ أَمَامَهُ، وَكَجِذْرٍ فِي أَرْضٍ يَابِسَةٍ، لَا صُورَةَ لَهُ وَلَا جَمَالَ يَسْتَرْعِيَانِ نَظَرَنَا، وَلَا مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ.”
- التفسير: المسيح، الذي هو ابن الله، جاء إلى العالم بطريقة متواضعة وغير ملفتة. كبر مثل غصن صغير في أرض قاحلة، مما يشير إلى ظروف ميلاده ونشأته المتواضعة في عالم غارق في الخطية. لم يكن لديه جمال خارجي أو مظهر يجعل الناس ينجذبون إليه، مما يبرز أن عمل الله يتجاوز المظاهر الخارجية ويركز على القلب والروح.
الآية 3:
“مُحْتَقَرٌ وَمَنْبُوذٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ آلامٍ وَمُخْتَبِرُ الْحُزْنِ، مَخْذُولٌ كَمَنْ حَجَبَ النَّاسُ عَنْهُ وُجُوهَهُمْ، فَلَمْ نَأْبَهْ لَهُ.”
- التفسير: هذه الآية تسلط الضوء على العزلة التي عاشها المسيح خلال خدمته الأرضية، حيث عانى من الرفض من القادة الدينيين والجماهير على حد سواء. كان رجلًا عانى من الآلام، ليس فقط الجسدية، بل أيضًا النفسية، بسبب احتقار الناس له. لم يكن المسيح مجرد متألم، بل كان مختبرًا للآلام بعمق، حيث حمل ثقل خطايا العالم كله.
الآية 4:
“لَكِنَّهُ حَمَلَ أَحْزَانَنَا وَتَحَمَّلَ أَوْجَاعَنَا، وَنَحْنُ حَسِبْنَا أَنَّ الرَّبَّ قَدْ عَاقَبَهُ وَأَذَلَّهُ.”
- التفسير: هذه الآية تشير إلى أن المسيح أخذ على عاتقه آلامنا وأوجاعنا، وهو ما يُظهر عمق محبته وتضحيته من أجلنا. ومع ذلك، فالكثيرون ظنوا خطأً أن تلك الآلام كانت بسبب خطايا المسيح نفسه أو أنها عقاب إلهي، بينما كانت الحقيقة أنها كانت من أجل خلاصنا نحن.
الآية 5:
“إِلَّا أَنَّهُ كَانَ مَجْرُوحاً مِنْ أَجْلِ آثَامِنَا، وَمَسْحُوقاً مِنْ أَجْلِ مَعَاصِينَا، حَلَّ بِهِ تَأْدِيبُ سَلَامِنَا، وَبِجِرَاحِهِ بَرِئْنَا.”
- التفسير: تعلن هذه الآية بوضوح دور المسيح الكفاري. لقد جُرح وسُحق كعقاب على خطايانا، حتى ننال نحن السلام مع الله. جراحه لم تكن مجرد معاناة جسدية، بل كانت ثمناً لشفاء أرواحنا وإعادتنا إلى شركة مع الله. هذا يبرز عمق عدالة الله في عقاب الخطية، وفي الوقت نفسه محبته التي قدمت بديلاً عنها.
الآية 6:
“كُلُّنَا كَغَنَمٍ شَرَدْنَا، مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى سَبِيلِهِ، فَأَثْقَلَ الرَّبُّ كَاهِلَهُ بِإِثْمِ جَمِيعِنَا.”
- التفسير: تصف هذه الآية الطبيعة الخاطئة للبشرية، حيث شردنا جميعًا بعيدًا عن طريق الله، كلٌّ في اتجاهه الخاص. رغم ذلك، حمل المسيح خطايانا على كاهله، ليعيدنا إلى الله. الصورة هنا هي صورة الراعي الذي يضحي بنفسه من أجل قطيعه الضال.
الآية 7:
“ظُلِمَ وَأُذِلَّ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ، بَلْ كَشَاةٍ سِيقَ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ.”
- التفسير: هذه الآية تصور صمت المسيح أمام الظلم الذي واجهه. لم يدافع عن نفسه، بل قَبِل تلك الآلام طوعًا، لأنه كان يعلم أن هذه هي خطة الله لفداء البشرية. صمته هو تعبير عن طاعته المطلقة لله وثقته الكاملة في عدالة الآب السماوي.
الآية 8:
“بِالضِّيقِ وَالْقَضَاءِ قُبِضَ عَلَيْهِ، وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ اسْتُؤْصِلَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ، وَضُرِبَ مِنْ أَجْلِ إِثْمِ شَعْبِي؟”
- التفسير: تشير هذه الآية إلى محاكمة المسيح الجائرة وموته كذبيحة. العالم في زمنه لم يدرك أن موته لم يكن مجرد نهاية، بل كان جزءًا من خطة إلهية عميقة لتحرير البشرية من الخطية.
الآية 9:
“جَعَلُوا قَبْرَهُ مَعَ الأَشْرَارِ، وَمَعَ ثَرِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرْتَكِبْ جَوْراً، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ.”
- التفسير: رغم براءة المسيح المطلقة، فقد صُلِب مع المجرمين ودُفن في قبر رجل غني. هذا يعكس تحقيقًا دقيقًا للنبوة ويبرز أن الله سيّد التاريخ، حيث يستخدم حتى أفعال البشر الشريرة لتحقيق مقاصده الصالحة.
الآية 10:
“وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ سُرَّ اللهُ أَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ. وَحِينَ يُقَدِّمُ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ، فَإِنَّهُ يَرَى نَسْلَهُ وَتَطُولُ أَيَّامُهُ، وَتُفْلِحُ مَسَرَّةُ الرَّبِّ عَلَى يَدِهِ.”
- التفسير: الآلام التي تحملها المسيح كانت جزءًا من خطة الله الخلاصية. موته لم يكن نهاية، بل بداية حياة جديدة للبشرية. “نسله” هم جميع الذين يؤمنون به، و”طول أيامه” يشير إلى قيامته الأبدية وحياته كملك منتصر.
الآية 11:
“وَيَرَى ثِمَارَ تَعَبِ نَفْسِهِ وَيَشْبَعُ، وَعَبْدِي الْبَارُّ يُبَرِّرُ بِمَعْرِفَتِهِ كَثِيرِينَ، وَيَحْمِلُ آثَامَهُمْ.”
- التفسير: المسيح يرى ثمرة موته وقيامته في خلاص البشر، وهذا يشبع قلبه. برّه يغطي خطايا الكثيرين الذين يضعون إيمانهم فيه، وهو يستمر في حمل خطاياهم والشفاعة لهم أمام الله.
الآية 12:
“لِذَلِكَ أَهَبُهُ نَصِيباً بَيْنَ الْعُظَمَاءِ، فَيَقْسِمُ غَنِيمَةً مَعَ الأَعِزَّاءِ، لأَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ، وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيئَةَ كَثِيرِينَ، وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ.”
- التفسير: نتيجة موته وقيامته، تمجد المسيح وأعطي نصيبًا بين العظماء. شفاعته المستمرة هي علامة محبته واهتمامه بالمذنبين، مما يضمن لهم المغفرة والقبول لدى الله.